الاقتصاد الدائري: يوم من التأثير في خدمة التحول البيئي والاجتماعي

نظمت المقاولة الاجتماعية “كون”، التابعة لجمعية الإكرام – مؤسسة ڤاليانس، يوما خصص للاحتفاء بالأثر البيئي والاجتماعي تحت شعار الاقتصاد الدائري والمواطنة الفاعلة. هذا الحدث، الذي التأم فيه الفاعلون من القطاعين العام والخاص، تميز بجمع مكونات متعددة من المجتمع المدني والمقاولة المواطنة حول رؤية مشتركة تؤمن بأن الابتكار الاجتماعي يمكن أن يكون رافعة حقيقية لتحولات مجتمعية مستدامة.
افتُتِح اليوم بتتويج ختامي لبرنامج “كون مواطن” برسم الموسم 2024-2025، وهو مبادرة مواطنة تستهدف الشباب المنقطعين عن الدراسة والنساء المعيلات، والذين تم مواكبتهم طيلة عام كامل في مسار تكويني وتمكيني يدمج التوعية بأهداف التنمية المستدامة، التكوين التطبيقي، والتأطير الفردي. وقد تمحورت مضامين البرنامج حول ثلاثة محاور مركزية هي المساواة بين الجنسين، التعليم، والبيئة، بما يعزز قدرات المستفيدين على المساهمة الفعلية في تحسين محيطهم الاجتماعي والبيئي.
ذروة هذا المسار كانت خلال تنظيم يوم “العرض النهائي”، حيث قدمت 12 مجموعة من المستفيدين مشاريع مواطنة أمام لجنة تحكيم تضم ممثلين عن مؤسسات عمومية من بينها العمالة والمقاطعة، إضافة إلى فاعلين من الإعلام والمجتمع المدني. تميزت العروض بابتكاراتها في حملات التوعية والمبادرات المحلية، وعكست وعياً مدنياً حقيقياً لدى المشاركين.
وتم تتويج ثلاثة مشاريع، ستحظى بدعم مالي أولي ومواكبة احترافية من خلال رعاية بالكفاءات تؤمنها شركة شريكة، تشمل خبرات في مجالات متعددة من ضمنها التواصل والتمويل وإدارة المشاريع. وفي هذا السياق، أكدت ياسمين القرواني، بودكاستر وعضوة في لجنة التحكيم، أن ما قدمه هؤلاء الشباب والنساء يبرهن على أن المواطنة ليست شعاراً بل قوة حقيقية لتحول مجتمعي قائم على الكرامة والمسؤولية.
وتندرج هذه المبادرة ضمن رؤية أوسع لجمعية الإكرام التي أطلقت برنامج “كون مواطن” سنة 2021 بشراكة مع الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بهدف تمكين الفئات الهشة ليس فقط اقتصادياً بل أيضاً مدنياً، عبر إعداد جيل جديد من المواطنين القادرين على التأثير الإيجابي داخل مجتمعاتهم.
أما الفترة المسائية، فشهدت لحظة أخرى لا تقل أهمية، تمثلت في إطلاق اللقاء السنوي الأول لنادي “كون” للتدوير الإبداعي، الذي يشكل منصة تجمع المقاولات الوطنية والدولية حول الاقتصاد الدائري كخيار استراتيجي. لأول مرة منذ انطلاقة “كون” سنة 2017، التأمت هذه الشبكة الواسعة من الشركاء والزملاء لمناقشة التحديات والفرص المرتبطة بإدارة النفايات والتحول نحو نماذج إنتاج أكثر استدامة.
وقد تميز اللقاء بحضور فاعلين مرموقين من عالم الأعمال، من بينهم مهدي البوري، المدير العام لبوش إفريقيا، وسعدية سلاوي، رئيسة مؤسسة ڤاليانس ورئيسة لجنة المسؤولية الاجتماعية داخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، إلى جانب مسؤولين من مقاولات رائدة كإنتلسيا، كابجيميني وأطلنطا سند.
ركزت المداخلات على أهمية التوفيق بين الربحية والمسؤولية الاجتماعية، وعلى ضرورة أن تنخرط المقاولات في نماذج إنتاج تراعي البيئة وتوفر فرصاً للإدماج المهني للفئات المهمشة.
وتم خلال اللقاء تكريم المقاولات الشريكة التي أبانت عن التزام فعلي، من خلال مبادرات ملموسة تشمل التحسيس الداخلي، فرز وتدوير النفايات، إنتاج مشترك لمنتجات معاد تدويرها، والمساهمة في إدماج الفئات الهشة.
كما عرف الحدث تقديم مجموعة “كون إمبريال”، وهي تشكيلة جديدة من المنتجات المعاد تدويرها صُممت بتعاون مع حرفيين مغاربة، تجمع بين الرقي الفني والابتكار البيئي، وقد تم عرضها حصرياً أمام شركاء B2B ووسائل الإعلام. وصرّحت سعدية سلاوي في هذا الصدد أن “كون” ليست مجرد مقاولة، بل اقتصاد للمعنى، لأن كل منتج فيها يحمل قصة وأثراً وفرصة جديدة.
هذا اليوم، الذي جمع بين التمكين المجتمعي والابتكار الدائري، جسد رؤية متكاملة ترى في الالتقائية بين الاجتماعي والبيئي مفتاحاً لحلول مستدامة قادرة على إحداث أثر حقيقي. وهنا، يُقاس النجاح ليس بالشعارات، بل بمسارات حياة تغيرت، وبمقاولات انخرطت، وبمنظومات تحركت نحو نموذج اقتصادي أكثر عدلاً وذكاء.
جمعية الإكرام – مؤسسة ڤاليانس، التي تأسست سنة 2013، تشكل اليوم مرجعاً في الابتكار الاجتماعي، بفضل قدرتها على تصور واختبار وتوسيع حلول عملية تعالج التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المغرب. ومع أكثر من 6000 أسرة تُواكب سنوياً، وأكثر من 120 طناً من النفايات يتم تحويلها بعيداً عن المطارح، ومقاولتين اجتماعيتين ناجحتين، تواصل المؤسسة إثبات أن التغيير ممكن حين يلتقي الالتزام بالإبداع.